Mastodon الطريق إلى عدن (تجربة شخصية) مدونة أبوبكر الدوسي

الطريق إلى عدن (تجربة شخصية)


قبل ثلاثة أعوام أردت السفر إلى المملكة العربية السعودية، وصلت صباحاً إلى محافظة إب قصدت إحدى شركات النقل كان مديرها صديقاً لي رآني وأنا أراجع لقطع تذكرة إلى مأرب عبر صنعاء دعاني جانبا وقال لي لا أنصحك هناك تفتيش مكثف في نقاط الحوثيين ولا أظنك تصل صنعاء أصلا فضلا عن مأرب.. ما الحل؟ قال الحل أن تمر عبر عدن إلى حضرموت العبر أو شبوة.
شكرته وتوجهت إلى فرزة تعز، وبلطف من الله تجاوزنا اشتباكات عنيفة كانت في الطريق الاسفلتي في منطقة حمومة بين إب وتعز، ولما وصلت فرزة عدن في تعز وتوجهت نحو البيجو، بادرني السائق بالسؤال التالي؛ أنت شمالي أو جنوبي! تفاجأت من سؤاله حيث كانت ربما أول مرة يوجه لي هذا السؤال بهذه الجدية، قلت لماذا؟ قال: باختصار إذا لم تكن من عدن لن يسمح لك بالدخول!
أصابني الذهول وقتها، طيب وما الحل يا عم عبده؟ قال ما في فايدة؛ وتركني وذهب، لحقت به.. ولكن أنا مضطر للذهاب عبر عدن،، رد علي "لا تتعب نفسك إذا تشتي باشيلك لكن إذا رجعوك ما بارجع لك الفلوس" قلت له طيب شوف لي حل، قال "روح شوف لك معوز وشميز ممكن نقدر نمشيك"!
رحت بسرعة البرق غيرت مظهري كما قال وما إن عدت وعرف أنني مضطر للذهاب عبر عدن طلب مني عشرة آلاف ريال (ثلاثة أضعاف المبلغ المعتاد تقريبا) وافقت ثم انطلقنا في الخط بعد انتظار طويل بغية ملء السيارة.
وهنا بدأت المعاناة..
وصلنا عند أول نقطة تفيش حيث تم إنزال الجميع من السيارة وكل شخص من غير مواليد عدن وما حولها تم إرجاعه بدون أي نقاش، حاولت الحديث مع قائد النقطة وظللت أشرح له وأقسم له أني لن أبيت في عدن فقط مجرد مرور سريع، ونجحت في إقناعه، ثم عدت إلى السيارة حيث كان لم يبق فيها سوى ثلاثة آخرين معي، اثنان من مواليد عدن وآخر كان قد غير مكان الميلاد في صورة بطاقته الشخصية إلى عدن.
مررنا على أكثر من أحد عشر نقطة وفي كل مرة أضطر للبقاء  ما بين ربع إلى نصف ساعة كي أقنعهم بالسماح لي بالمرور، وكم كنا نسمع من ألفاظ جارحة ولمز متكرر لكني كنت أتجاهل حيث لا حل آخر لدي، وكثيرا ما كان يباشر أفراد النقطة قائلين "في ريحة دحابشة هنا يلا نزلهم يا عم" بشكل استفزازي جدا.
ظللنا على هذا الحال حتى وصلنا إلى نقطة تفتيش قبل معسكر حديد أنزلونا كالعادة ووجه لرفقائي الثلاثة أسئلة عن حاراتهم وعقالها وغير ذلك وهنا تبين حال الشخص الثالث أنه ليس من أهالي عدن فوجهت له أبشع العبارات وأقذعها وتم إرجاعه؛ أما أنا فقد بذلت هذه المرة جهدا مضنيا لإقناعهم وفي الأخير قلت لهم أن يرسلوا معي أحد أفراد النقطة وسأتكفل بكل مصاريفه ويوصلني إلى فرزة شبوة أو حضرموت، لأنهم كانوا مصرين على أننا حوثيين عملاء لإيران، لما رأوني جادا في طلبي قالوا "نحنا با نسمح لك لكن نقطة حديد بيرجعوك مستحيل تدخل" قلت للسائق الآن دورك تساعدني في نقطة حديد على الأقل بالمبلغ الذي أخذته، وصلنا النقطة وكان أفرادها منشغلون فسألوه هكذا " ماشي معك دحابشة يا عم عبده! قال لا قد نزلوهم فوق" وأشاروا له بالمرور شعرت بالراحة حينها حيث تجاوزنا ما كان يوصف بالنقطة الأصعب.
وصلنا إلى مدخل عدن، وهنا واجهتنا آخر نقطة تفتيش ومباشرة طلب بطاقتي أخذها وهو يتحدث مع زملائه " الدحابيش عملاء شوفوا الجنوبيين على وجوه طيبة ويشير إلي والبطاقة بيده"! أدركت حينها أنه لا يعرف القراءة ابتسمت له وقلت له شكرا لك، أعطاني البطاقة وانصرف، وأنا أقول في نفسي جيد أنك لم تتعلم القراءة والكتابة.
وصلت إلى الشيخ عثمان بعد عشر ساعات قضيتها في الطريق أغلبها وقوف في النقاط، توجهت قاصدا الفرزة بالرغم من الارهاق والتعب إلا أن نفسي لم تستطب البقاء بعد كل ما سمعته في الطريق، وبعد كل تلك المعاناة.
هذه تجربة شخصية وقد نقلتها لكم كما حدثت، وحاولت أن أورد بعض الجمل كما سمعتها تماما،، احتفظت بهذه القصة لنفسي ثلاث سنوات آملا أن تنتهي تلك الممارسات العنصرية ولكن يبدوا أنها لم تكن سوى مقدمة لما تعيشه عدن اليوم من تمييز عنصري مناطقي، ومن تمييز عنصري فئوي عاد بالقتل والتنكيل على كل المخالفين حتى من أبناء عدن أنفسهم.

1 التعليقات:

إضغط هنا لـ التعليقات
NORALSBAH
المدير
22 ديسمبر 2017 في 1:41 ص ×

الله المستعان

مدونة خالد أبوبكر الNORALSBAHhttp://da3yh.blogspot.com
رد
avatar
شكرا لك ولمرورك